-->

وجود الغير المحور الأول:

وجود الغير المحور الأول:

    تمهيد لمحور وجود الغير:

    يعتبر مفهوم الغير من أبرز المفاهيم الفلسفية الحديثة والتي  احتلت مع فلسفة هيغل مركز الصدارة، بعدما كان كل اهتمام التفكير الفلسفي يتمحور حول الذات، وبما أن الذات يمكنها انتاج أفكارا خاطئة حول موضوعات خارجية وذلك نتيجة خداع الحواس، فإن هذا الأمر قد يدفع إلى الشك في الغير، ووضع وجوده بين قوسين، مما يؤدي إلى إنتاج معرفة حول الغير تتميز بالاختلاف، أو احتمال عدم إنتاجها أصلا، إضافة إلى تعدد وتنوع العلاقة التي تربطنا به، وهذا ما يمكن التعبير عنه بواسطة الأسئلة الآتية:

    هل الغير موجود أم لا؟ وهل معرفته ممكنة؟ وإن كانت كذلك كيف يمكن أن نبني هذه المعرفة؟ وفي الأخير ما طبيعة العلاقة التي تربط الذات بالغير؟ وما هي أهمية الغير في إدراك وجود الذات؟
    الاشكالية:

    هل وجود الغير شرط ضروري أم غير ضروري بالنسبة للانا من أجل ادراك وجودها ومعرفتها لنفسها؟
    المواقف و المقاربات الفلسفية:
    ديكارت: ( وجود الغير غير ضروري )

    ينطلق ديكارت من فكرة أساسية وهي تجربة الشك للإثبات.

    فإثبات الانا كذات مفكرة عند ديكارت ينطلق من قولته الشهيرة: “انا افكر اذا انا موجود“

    ومن هنا نجد أن ديكارت شك في كل شيء، إلا أنه لم يشك في وجود الغير كذات مفكرة وواعية، أي أنه كذات يمارس عملية الشك، وما دام يمارس عملية الشك فهو في نفس الوقت يمارس عملية التفكير، بحيث انه يدرك وجوده من خلال التفكير، ويعي تماما بأن ذاته هي ذات واعية ومفكرة. وبالتالي فوجود الانا بالنسبة لديكارت هو وجود يقيني لا يطاله الشك لأن ادراك الذات يتم بشكل حدسي دون وساطة الغير.

    ومع ذلك يبقى وجود الغير عند ديكارت وجودا إفتراضي، يعني أنه ليس بوجود يقيني على غرار الذات، ويمكن التوصل إليه عن طريق الإستدلال بالمماثلة وإدراكه عن طريق الحواس.

    وبالتالي فالنتيجة التي يمكن التوصل لها إنطلاقا من الفكرة الأساسية لديكارت هي أن وجود الانا لا يتوقف على وجود الغير، يعني أن الغير ليس شرطا ضروريا للوعي بالذات أو لادراك وجودها.

    في مقابل ديكارت الذي أدخل الذات في عزلة أو بعيدة عن عالم الاخر نجد الفيلسوف الألماني هيغل مؤسس الفلسفة الجدلية.
    هيغل: ( وجود الغير من أجل ادراك وجود الذات ضروري )

    على عكس ديكارت يرى هيغل أن وجود الغير ضروري بالنسبة للانا من اجل ادراك وجود الذات، أي أنه لا يمكنني أن أدرك وجودي في غياب الغير بل فأنا أحتج الى وجود الغير من أجل ادراك وجودي.

    ويرى هيغل أيضا أن الانا هي في حاجة الى كل ما هو اخر مختلف، اي ان كل وعي هو في حاجة الى نقيضه من اجل تحقيق الوعي بذاته. ولتبسيط هذه العملية يطرح هيغل نموذج علاقة السيد والعبد، فالسيد لا يمكنه أن يعي وجوده كسيد دون وجود الغير الذي هو العبد، وكذلك بالنسبة للعبد، فلا يمكنه أن يعي وجوده كعبد دون وجود سيد له. وهنا يمكننا استنباط نضرية النقيض التي طرحها هيغل، وهذه الفلسفة تسمى الفلسفة الجدلية والتي تنطوي على صراع الاضداد وصراع المتناقضات. وكخلاصة فالانا بحسب تصور هيغل لا يمكنها ان تعي وجودها في غياب وجود الغير المختلف والذي يعتبر كنقيض.

    إذا فكل من ديكارت و هيغل اجابو معا على اهمية الغير على المستوى الوجودي. فاهمية الغير على المستوى الوجودي عند ديكارت فهي غير حاضرة، وعكس ذلك يرى هيغل ان مفهوم الغير يحتل مكانة مهمة في فلسفة الوعي.
    جون بول سارتر: (وجود الغير شرط ضروري من أجل معرفة وجود الذات)

    ويتفق سارتر مع هيغل حول وجود الغير، حيث يعتبر هو الاخر وجود الغير شرطا ضروريا لمعرفة الذات لذاتها. بحيث لا يمكن التعرف على الذات أو مقومات الذات بدون الغير كوسيط.

    وينطلق سارتر في بناء موقفه من اعتبار وجود الغير هو الوسيط بيني وبين ذاتي. أي انه لا يمكن تكوين اي معرفة حول الذات دون المرور عبر الغير، ومن أجل معرفة أي شيء حول الذات كمعرفة سمات شخصيتي مثلا لابد من وجود الغير، بحيث ينطلق سارتر من نظرة الغير وكيف تقوم هذه النظرة بدور الوساطة من أجل بناء تصوره. وفي هذا السياق ينطلق سارتر من نموذج اساسي ألا و هو نموذج الخجل كضرب من ضروب الاحساس ومقوم من مقومات الذات لا يمكن ادراكه دون وجود الغير.

    إرسال تعليق