-->

معرفة الغير المحور الثاني

معرفة الغير المحور الثاني

    البناء الاشكالي لمعرفة الغير:

    الهدف من هذا المحور هو دراسة مشكلة معرفة الغير، بمعنى محاولة ادراك الغير كذات بين الامكانية والاستحالة.
    الاشكالية:

    هل معرفة الغير كذات ممكنة ام مستحيلة ؟ واذا كانت ممكنة، فكيف ذلك ؟ أما اذا كانت مستحيلة، فما هي العوائق التي تقف امام تحققها ؟
    المواقف و المقاربات الفلسفية لمعرفة الغير:
    جون بول سارتر: (معرفة الغير غير ممكنة)

    معرفة الغير تقتضي تحويله الى موضوع والنظر اليه كشيء

    يرى سارتر ان مغرفة الغير مستحيلة، يعني يستحيل معرفة الغير كذات مماثلة للانا وكوجود مستقل عن وجود الشخص. اذ يؤكد سارتر على أن معرفة الغير مستحيلة لانه انسان يشبهني واشبهه. وينطلق جون بول سارتر في بناء هذا التصور من كون معرفة الغير تقتضي تحويله الى موضوع والنظر اليه كشيء. ومن هنا يمكننا الانطلاق من مفهومين أساسيين، ألا وهما: كيف يمكن اعتبار الغير كموضوع ؟ وكيف يمكم اعتباره كشيء ؟

    إذا بالنسبة لسارتر فيرى انه عند محاولة معرفة الغير، أول شيء أقوم به هو النظر اليه من أجل تكوين صورة له في مخيلتي، هذه النضرة تمكنني من تحديد الملامح الخارجية لهذا الشخص، ومن هنا تحويله من ذات إلى شيء، وذلك بسبب تركيزي على الجوانب الخارجية. إذا كلما ركزنا معرفتنا على الشخص باعتباره ذات إنسانية على الجسد نحوله إلى شيء.

    أما بالنسبة لتحويل الغير الى موضوع فيرى جون بول سارتر أنه أمر مرفوض، لانه بمجرد تحويل الغير لموضوع يتم تشبيهه بباقي الكائنات الاخرى بدون تمييز، وهذا ما يركز عليه سارتر فيما يخص الشخص بين الضرورة والحرية، بحيث أن الانسان ليس له تعريف نهائي وليس له شكل نهائي، أي أن أنا اليوم ليس هو أنا الغد، والمعرفة المشكلة على الغير هي مجرد صورة لا توجد إلى في أذهاننا.

    وبالتالي فمعرفة الغير حسب سارتر ممكنة فقط أن الغير ليس موضوعا أو جسدا بل ذاتا ومن هنا يمكن القول أن معرفة الغير مستحيلة.

    إذا إذا كان جون بول سارتر يرى أن معرفة الغير غير ممكنة وتؤدي إلى تشيئ الغير وتحويله إلى موضوع فالفيلسوف ميرلوبونتي يدافع على طرح مغاير ألا وهو معرفة الغير كذات ممكنة.
    ميرلوبونتي : (معرفة الغير كذات ممكنة)

    نظرة الغير لا تحول الشخص الى موضوع كما أن نضرة الشخص لا تحول الغير الى موضوع

    وينطلق ميرلوبونتي من فكرة أساسية هي أن الغير وحدة لا تقبل التجزيئ، أي انا الغير ليس كتلة جسدية بل هو روح وجسد، مضهر خارجي وداخلي. إذا كل جسد يحمل بداخله روح تطرؤ عليها مجموعة من التقلبات والانفعالات الداخلية، بحيث أن كل انفعال داخلي إلا وله صورة خارجية تظهر في بعض الأحيان من ملامح وجه الشخص. ويرى ميرلوبونتي أيضا ومن خلال رده المعارض على جون بول سارتر أن نظرة الغير لا تحول الشخص الى موضوع كما أن نضرة الشخص لا تحول الغير الى موضوع. ويقترح ميرلوبونتي اليتين من أجل معرفة الغير وهما:

        معرفة الغير ممكنة عبر تواصل حي ومباشر يمكنني من التعرف على أفكاره.
        معرفة الغير ممكنة عبر التعاطف أي المشاركة الوجدانية وذلك باستحضار الشخص لاحزانه أو أفراحه من أجل معرفة أحزان أو أفراح الغير.

    مالبرانش :

    معرفة الغير غير ممكنة على الرغم من التشابه و الاشتراك الحاصل بين الذوات

    وفي مقابل ميرلوبونتي يعتبر مالبرانش المعرفة التي يدافع عنها ميرلوبونتي هي معرفة غير ممكنة لانها تنطلق من عنصر أساسي وهو المماثلة، حيث أن معرفة الغير عبر المماثلة مستحيلة، أي أنه باعتبار ضرفية ما (سلوك مغضب مثلا) فالشخص والغير ليس لهما نفس السلوك، وبالتالي فلن يكون لهما نفس ردة الفعل. ومما سبق يرى مالبرانش أن معرفة الغير غير ممكنة على الرغم من التشابه و الاشتراك الحاصل بين الذوات، والتالي فهناك معارف مشتركة بين الانا والاخر لكنها لا ترقى الى مستوى معرفة الغير وتمثله، أي أنه لا نستطيع معرفة الغير كمعرفتنا لذواتنا، وأية حلول لذلك مالها الفشل بحكم الاختلاف لا التشابه.


    استخلاص لمعرفة الغير:

    يمكننا التأكيد مما سبق على أن معرفة الغير تحمل في طياتها مفارقة و إحراجا: فمعرفة الغير تتطلب اعتباره مجرد “موضوع” أي معرفة تشييئية للذات، الشيئ الذي يؤدي الى الاصطدام بمسألة الحرية الإنسانية، مما يحول دون معرفة الغير كذات. كما تواجه معرفة الغير صعوبات بوصفها مبنية فقط على التعاطف الوجداني مع الغير. ولكن معرفة الغير تظل نسبية في جميع الحالات. إلا أنها تتجاوز العلاقة المعرفية إلى علاقات أعقد: أخلاقية، عاطفية، سياسية، اقتصادية… تتسم بطابعي التنوع و الاختلاف تبعا لتنوع أوجه الغير.

    إرسال تعليق